الجمعة، 25 يوليو 2008

الجنسية المثلية والإيدز

محمد شاب فى الثلاثين من عمره دخل المستشفى لإجراء بعض الفحوصات الطبية وذلك لإعتلال صحته فى الفترة الأخيرة بشكل لاحظه الجميع ، عندما تحدثت والدته لى لتخبرنى بدخوله المستشفى وأنه ربما يكون محتاج للدعم النفسى بشكل كبير فى ذلك الوقت ،لم أفكر للحظة أن الأمر قد يكن خطيرا لتلك الدرجة ، وبشكل لا شعورى وجدت نفسى أتناسى بعض الحقائق التى أعلمها عنه والتى قد تزيد من قلقى عليه .
محمد كان محولا لى من قبل طبيب مشهور وكان تشخيص ذلك الطبيب أنه يعانى من حالة اكتئاب حادة ، ولأننا عادة فى الطب النفسى لا نشخص للوهلة الأولى تشخيصا قاطعا فإننا عادة ما نضع العديد من التشخيصات وبعد ذلك نجزم بأى تشخيص وربما مع الأيام ومعرفتنا بالحالة يظهر لنا تشخيص غير متوقع وغير محتمل وهذا ما حدث مع محمد لقد وضع الطبيب تشخيص الإكتئاب ومع الجلسات بدأت فى اكتشاف الحقيقة وإن كان الإكتئاب هنا هو العرض الأساسى لدى محمد .
محمد هو الإبن الأصغر لأحد كبار رجال الدولة فى مصر ، لم يكن محمد قوى البنيان مثل أبيه وعندما كان والده يذهب للنادى لممارسة الرياضة كان يرفض الذهاب معه ويفضل أن يظل بالمنزل وللأسف كانت والدته هى الأخرى تشجعه على البقاء بالمنزل والجلوس معها ، لم تستطع مدام ناهد ابنة العائلة العريقة أن تمنع نفسها من أن تسيطر على محمد وساعدها فى ذلك محمد فهو ولد مطيع ومهذب وبالطبع لم تفصح مدام ناهد عن رغباتها الدفينة فى انجاب بنت ولم تكن تدرى ولا محمد يدرى أن أمه بشكل غير واعى حاولت تحقيق حلمها المكبوت من خلاله .
فى الواقع كان محمد بطبعه ميالا للرقة والأدب فى السلوك والحديث وكان شديد الحساسية يميل للعب الهادئ ويفضل صحبة بنات خالته الاتى يسكن معهن فى نفس العمارة ويستمتع معهن بإعداد الكحك فى الأعياد كما لم يكن يمانع فى أن يشارك فى اعمال المنزل
شب محمد على حب الفنون بشكل عام وتعلم منذ نعومة أظافره أن يدفن غضبه وحزنه فى القراءة والموسيقى وعندما أراد محمد دخول أحد الكليات لفنيةالتى تتفق مع ميوله رفض والده ، هذا الإحتكار للفنون والأداب زاد من الهوة الفاصلة بين محمد ووالده حتى أصبحت العلاقة شبه رسمية .
كل تلك الأشياء وربما يفوقها دار بذاكرتى وأنا فى طريقى للمستشفى لزيارة محمد
فى الواقع دائما ما كنت أحافظ على الحدود الوجدانية من التعاطف المبالغ فيه مع الحالات التى أعالجها لكن يجب ألا أنكر بشكل غير واع أن هناك بعض الحالات اخترقت هذا الجدار الفاصل ، محمد كان من ضمن هذه الشخصيات التى كنت أشعر بألم شديد وأنا أستمع إليه عن معاناته مع الوحدة والجوع الشديد للحب اللذان كان يشعر بهما عند نهاية كل علاقة عاطفية .
كان يحاول دائما أن يعثر على رفيق حياته الذى يمكن أن يشعره بالأمان والحب والحنان ويشاركه حياته بكل ما فيها من تفاصيل صغيرة لكن فى كل مرة كان يعثر على رجل يتميز بالحنان الممزوج بالشخصية القوية والذى فى الغالب كان يكبره بعشرين عاما على الأقل ولا تدوم العلاقة فى الغالب أكثر من سنة ، أتذكر آخر جلسة جاءنى فيها لينقل لى قراره بأنه قد تعب من الحب وأنه سيكفر بحلمه القديم فى العثور على شريك حياته ويكتفى بساعات أو حتى دقائق الجنس التى كان يخرج ليبحث عنها فى كل ليلة .
عندما دخلت الغرفة كان محمد مستلقيا على السرير وتتصل ذراعيه بأنابيب المحاليل المختلفة لم يقو محمد على رد التحية وإنما أومأ لى برأسه إيماءة مليئة بالحزن والإستسلام . استطعت أن ألمح بقعا أرجوانية كبيرة تملأ كل جسده وهنا دار فى عقلى أنه ربما يكون مريضا بأحد الأمراض الجنسية ولكن لم يخطر ببالى للحظة أنه مريض بالإيدز وهنا وصل الطبيب وإذا بى أتحدث معه بمعلوماتى الطبية البسيطة وإذا به يردد إنه مريض بالإيدز مريضى مريض بالإيدز يا لهول الصدمة التى وقعت على رأسى ، لا أعلم كيف أنهيت حديثى مع الطبيب ولا أتذكر ما صدر عنى من كلام مع محمد قبل مغادرتى المستشفى ولكن ما أتذكره أن عقلى كان مشغولا بمرضاى ماذا سأفعل لدى العديد من الحالات تعانى من اضطراب الهوية الجنسية ماذا سأفعل لهم كنت أركض وأنا أغادر المستشفى وكأنى سأذهب لنجدتهم الآن وهنا زاد إحساسى بالمسئولية تجاهم وتجاه كل مرضى اضطراب الهوية الجنسية وزاد إيمانى بإيجاد حل لمشاكلهم وعلاجهم حتى لوأقرت بعض دول العالم بأنه ليس مرضا فانا مصرة أنه مرض ولابد من إيجاد حل لهم لابد أن يتعافوا وهنا من مصر لابد أن يعلم الجميع أن الحالات كثيرة وكثيرة جدا وليس بالضرورة أن يكون هناك نمط ظاهر فى السلوك قد يبدو رجلا شديد الرجولة وهو بداخله أنثى تبحث عن من يتستأنس وحدتها ، وسأتحدث فى تدوينات قادمة عن الجنسية المثلية بشكل أوسع حتى يستفيد أباء وأمهات المستقبل حتى يحموا ابنائهم من الجنسية المثلية فالأهل لهم دور فعال فى تشكيل اختيار الأبناء لهويتهم الجنسية فنوع الإنسان لا يحدده فقط أعضائه التناسلية ولكن نوع الإنسان يتكون داخله مع الأيام من خلال الإحتكاك بالأب والأم.

ليست هناك تعليقات: