الاثنين، 7 يوليو 2008

انتحار أيوب

أيوب شاب سعودى فى السادسة والعشرون من عمره يعانى من اكتئاب حاد نتج عن ذلك العديد من المحاولات الإنتحارية المتكررة ولأن إخوته ربما لأنهم لا يتفهمون كانوا يقابلون ذلك بالقسوة والعنف على اعتبار أن من ينتحر يموت كافرا هكذا كان إخوته ينظرون إليه هذا الشاب الذى انعزل عن العالم ورفض كل مافيه وتمنى الموت واشتهاه من كل قلبه ، توالت المرات العديدة للإنتحار لأيوب ولكن دائما ما كان يفشل وويكون حاله فيما بعد الضرب الشديد والإهانة الحادة من قبل إخوته ، ومع مرور الأيام اشتد المرض عليه بشكل سئ وبدأ أيوب الموت البطئ ولكنه فى هذه المرة لم يقرر أن ينتحر ولكن لأن حالته وصلت من السوء لدرجة جعلته رافضا لأى طعام رافضا الحركة من مكانه فوصل به الحال إلى التبول والتبرز فى مكانه دون أى حركة كان يترك غرفته الواسعة وينزوى فى ركن ضئيل من الحجرة والأخوة مازالوا مصرين على الضرب والإهانة وفى الواقع الإكتئاب مرض ينتج عنه تغيير شامل فى كمياء المخ وأريد أن أشير هنا إلى أن كلمة اكتئاب ذاع صيتها وبخاصة فى السنوات الأخيرة فتقريبا كل المرضى الزائرين للعيادات النفسية عندما تسأله ماهى شكواك يقول عندى اكتئاب أو حتى من لا يتوجهون للعيادات النفسية الإنسان العادى إذا مر بأى شئ يردد أنا مكتئب ولكن ما أريد أن أقوله أنه ليست كل الأمراض النفسية هى الإكتئاب فى الواقع نحن لدينا العديد والعديد من التشحيصات بعضها يكون عرض من أعراضها الإكتئاب ولكنها لا تشخص على أنها اكتئاب وبإذن الله سأتدرج لموضوع الإكتئاب بشئ من التفصيل فى تدوينة قادمة لكن دعونى أعود إلى أيوب بعد تدهور حالته بشكل سئ بدأ الأهل أو الإخوة تحديدا لأن والده ليس على قيد الحياة بدأوا فى التفكير كيف يتخلصون منه فقد أصبح عبئا عليهم واستخدموا معه كل أنواع التعذيب ولن يجدى شيئا معه ، إلى أن نصحهم أحد الجيران أن يأتوا به إلى مصر وعرضه على طبيب نفسى وبالفعل اصطحبوه إلى القاهرة متجهين إلى دكتور هذا الدكتور كان يعمل رئيسا لوحدة الرعاية بالمستشفى التى كنت أعمل بها وفى الواقع هى مستشفى من أكبر مستشفيات الطب النفسى بالشرق الأوسط وهذا الدكتور من أنجح الدكاترة الذين تعاملت معهم والذى كان له دور كبير فى تعليمى مهنتى هذى ، عندما تم عرض أيوب على الدكتور أوصى على الفور بدخوله المستشفى فحالته متدهورة جدا وهنا طبعا أفرح الإخوة فأخيراسوف يتخلصون منه فعلى الفور قاموا بإدخاله المستشفى ووضعوا فى حسابه مبلغا كبيرا من المال يكفى على الأقل بقاؤه فى المستشفى مدة لا تقل عن 6 شهور وطبعا هذا المبلغ جزء من ميراث أيوب فى والده وبالفعل دخل ايوب المستشفى وسافر الأخوة بعد أن قاموا بجولة سياحية رائعة فى القاهرة ولم يفكروا ولو لمرة واحدة فى لفترة التى مكثوا فيها فى القاهرة أن يأتو لزيارة أيوب ولا حتى قبل سفرهم نقدر نقول كده رموه وارتاحوا ، بعد دخول أيوب المستشفى تم تطبيق كافة الإختبارات النفسية الازمة وكافة التحاليل الطبية وتم تعيين مرافق خاص له ففى مثل هذا النوع من الحالات الحرجة يتم تعيين مرافق خاص للمريض يكون ظلا له طوال الوقت والمفروض ألا يتركه أبدا حتى عند دخول المريض الحمام من المفترض أن يدخل معه المرافق مكث أيوب بوحدة الرعاية والتى كان يرأسها طبيبه المحول وهى الوحدة التى يتم فيها استقبال المرضى فى الفترة الأولى للملاحظة والرعاية الطبية ثم بعد ذلك مع تحسن حالة المريض يتم توزيعه إلى مبنى آخر فهناك وحدة أ وهى ما كنت أعمل بها وهى وحدة الشباب للرجال تحت سن 40 عاما وهناك وحدة ج للرجال فوق سن الأربعين وهناك وحدة أخرى للسيدات ووحدة الإدمان ، المهم ان بعد دخول أيوب بشهر أظهر تحسنا نسبيا جعل الطبيب المحول يوصى بنزوله لوحدة أ حتى يبدأ أيوب فى البرنامج العلاجى الذى وضع من أجله من حضور جلسات علاج نفسى فردى وجماعى وكذلك البدء فى المشاركة فى الأنشطة العلاجية على أن يتم صعود أيوب بعد انتهاء اليوم مرة ثانية لوحدة الرعاية يعنى ينزل وحدة أ يقضى اليوم فيها ولما يجى معاد النووم يطلع الرعاية وينزل تانى يوم الصبح ، وفى صباح يوم علمنا أن أيوب قد قام ليلا بتمزيق غطاء السرير محاولا شنق نفسه ولكن المرافق انتبه له فى آخر لحظه ولم تتم عملية الإنتحار ولكن تأثرت رقبته بعض الشئ وبالطبع محاولته هذى كانت مؤشرا سيئا ودلاله على سوء حالته ، مرت الأيام وهو تارة متحسن وأخرى لا هكذا عادة ما يكون مرضانا متأرجحين فبعض الوقت متحسنين والبعض الآخر متدهورين ، إلى أن جاء اليوم المشئوم فجأة نداء على جميع الاطباء والمعالجين بالمستشفى التوجه لوحدة الرعاية للأهمية القصوى كنت فى تلك اللحظةفى أحد المكاتب بالإستقبال أجرى جلسة علاج فردي وعندما سمعت النداء بالمستشفى طلبت من المريض أن نؤجل الجلسة ليوم آخر وجريت تاركة المكتب وكل ما فى ذهنى أن أيوب عملها وانتحر خرجت لا أرى أمامى وأثناء هرولتى للأسانسير اصطدمت بدكتور ناجى رئيس الوحدة التى كنت أعمل بها وعلى فكرة هو أغلى إنسان فى حياتى وأكيد هتطرق للكلام عنه فى تدوينة أخرى وأثناء صعودنا نظرت إليه فى حزن قائلة دكتور ناجى أنا حاسة إن أيوب عملها ولم أكمل الكلمة حتى كنا قد وصلنا بالفعل لوحدة الرعاية وهنا أكملت كلمتى بشكل آخر ده فعلا عملها فى وحدة الرعاية جميع الأطباء والمعالجين اجتمعوا متسائلين كيف حدث ذلك وأين كان المرافق زى ما قولت فى السطور اللى فاتت إن المرافق المفروض يدخل معاه حتى الحمام أما ما حدث أن المرافق أعد لأيوب ملابسه وطلب منه أن يدخل للإستحمام ودخل أيوب وحده ممسكا بالفانلة الداخلية رابطا إياها بشباك الحديد الموجود بالحمام و الحديد ده تأمين علشان العيانين ما ترميش نفسها من الشباك ولكن أيوب استغل تلك القضبان التى منعته من أن يلقى بنفسه من الشباك إلى الموت لكن شنقا ولكن أيوب لم يمت حتى تلك اللحظة فظل يختنق ويختنق ولكن روحه أبت أن تغادر جسده النحيل وبعد فترة حضرة المرافق الذى آمناه تذكر أن هناك من هو مسئول عنه فجرى إلى الحمام ووجد أيوب شانقا نفسه إلا أنه لم يمت وهنا بدأت بسالة الدكاترة وبالتحديد دكتور محمد الشاذلى ودكتور عمرو دنيا محاولين انقاذه فى تلك الأثناء الكل يحاول المساعدة جرى أمبوبة الأكسجين جرى بطاطين جرى جهاز الضغط وهكذا الجميع يحاول إنقاذه وبعد مرور فترة من الوقت بدى أيوب وكأنه فى اللحظات الأخيرة بل كان فى اللحظات الأخيرة وهنا همست بأذن صديقتى دكتورة بسمة قائلة بسمة هو ممكن يعيش فقالت لا وهنا ضغطت على يدها ممسكة بها وكانى أقول لها لا تقولى ذلك يبدو أنها شعرت بانهيارى الداخلى فهمت قائلة ممكن يعيش لكن بنسبة بسيطة وإن عاش لازم هيكون فيه شلل مثلا لإن الأكسجين اتقطع عن المخ فترة طويلة وبما أننا مستشفى نفسى وليست لدينا التجهيزات الطبية لهذه الحالات تم الإتصال بالإسعاف إلا أن الإسعاف فى بلدنا فى الغالب ما يأتى بعد فوات الأوان وقد مات أيوب تاركا فى نفس الجميع ذكرى أليمة وأدعى أننى تأثرت فى تلك الأثناء تأثرا فاق الجميع وتمنيت لو كنت أنا المعالجة المسئولة عنه بشكل مباشر فربما أحدثت معه تغييرا ولكن فجأة وجدت نفسى أردد لا الحمد لله أننى لم أكن معالجته فربما حدث ذلك ووقتها لم أكن سأسامح نفسى وإن كنت أعلم أن أستاذ عماد المسئول عنه فعل معه هو وطبيبه أقصى ما فى وسعهم وهذا هو عزائى رحمك الله يا أيوب أتمنى من كل قارئ لتلك االسطور أن يطلب له الرحمة ورجاء لا ترددون أن من ينتحر يموت كافرا لأنكم لا تعلمون مدى معانتهم بل وأنا أيضا مهما وصلت معهم لن أشعر بما يشعرون ودعونى أسألكم كيف يكون كافرا وقد ابتلاه الله بهذا المرض ؟ مريضى لن أنساك مهما طالت الأيام إنك ميت بحساباتنا فى الدنيا ولكنك حى بشكل آخر لا نعلمه وإن لم يكن كذلك فأنت حى بداخلى وإن كان هذا العالم لم يشعر بك فقد شعرنا نحن أطباء ومعالجين المستشفى بك أو على الأقل حاولنا ذلك .

ليست هناك تعليقات: